Friday, February 19, 2010

المشهد الأخير




عاد إلى منزله بعد يوم اعتاده شديد الملل ، ومعاناة لم تعد ضيف غريب على كل شئ في حياته ، دخل غرفته ثم أخذ ينتزع ثيابه من فوقه ويلقي بها على سريره برسم شديد الانتظام ، نظر إلى أُمه الجالسة فوق سَريرهُ مستندةً على الحائط في أبعدِ أركانِ السرير نظرةً تحملُ من الشوقِ ما تحمل ، ثم استدار تجاه مكتبه الكائنِ في الجانبِ الآخر من غرفته ، سحب كُرسِّيه ثم جلس ببطءِ شديدِ على المكتب وهو يحدق النظر في زُملاء عمله وهم يبعثرون في أوراقه ويمزقونها ويعبثون في أقلامه ويلقونها ، تجاهل ما يصنعون وابتعد بكُرسِّيه عن مكتبه قليلا ثم انحنى قليلاً وهو لا يزال فوق الكُرسِّي جالس مطلقا نظرات البحث عن رفقاءه وأقرب أصدقاءه ، لكن البحث لم يفلح ولم يجدهم تحت مكتبه - ذاك المكان الذي اعتاد أن يشاهدهم فيه دائما - وقد تناسى أنهم منذ أشهر ليست قليلة قد هجروا مكانهم هذا ، عاد إلي وضعه واقفا ثم إلتف في الغرفة بنظراته ملقيا إياها على جميع تفصيلاتها ، وأخواته اللاتي تجلسن فوق رف المكتبة يرتبون كُتبها أحيانا ويحرقونها في أحيانِ أُخر ، حتى وقعت عيناه على حبيبته ، تلك التي يراها ساكنة دائمة تحت شرفة غرفته ، جالسة على الأرض في وضع طفولي شديد الحزن لم تكشف عن وجهها النقاب بعد ، يقترب منها متمنيا رؤية وجهها للمرة الأولى وإن قُدِّر لها أن تكون الأخيرة لكن دون استجابة ، يستدير نحو سريره مرة أخرى مستلقيا عليه جسده عازما على ألا يعود في الصباح إلى هذه الحياة مرة أُخرى .